هل من الممكن أن يتجمد الماء الساخن أسرع من الماء البـــــارد؟
نعم، إنه تأثير مابيمبــــــــا!!
 |
| "مابيمبا وازبورن - لندن 2013" |
"تأثير مابيمبا Mpemba Effect هو ظاهرة فيزيائية خاصة - تحدث تحت ظروف محددة - يتجمد فيها الماء الساخن أسرع من الماء البارد. اكتشف هذه الظاهرة طالب افريقي - أريستو مابيمبا - في مدرسة في تنزانيا عام 1963، حيث لاحظ أثناء حصة التدبير المنزلي ان المثلجات التي صنعها من الماء الساخن تجمدت اسرع من المصنوعة من الماء البارد. كان فضوله كافياً ليدون بعض الملاحظات في الذاكرة ويسأل عنها استاذاً جامعيا في الفيزياء - دينيس اوزبورن - عام 1969، وعلى الرغم من سخرية زملائه في المدرسة ومعلمه منه وقتها، إلا ان سلسة من التجارب اجراها هذا الاستاذ الجامعي أقرت صحة ملاحظته وتم اعلان هذا الاكتشاف وتسميته باسمه.
لكن، لنفهم ما يحدث بالضبط علينا معرفة بعض النقاط الرئيسة المتعلقة بتجمد الماء:
دعونا لا ننس أن درجة حرارة الماء ما هي إلا مؤشر على مجموع الطاقة الحرارية التي تمتلكها جزيئات الماء الموضوعة في وعاء ما. وعندما نضع الماء في مجمد الثلاجة فإن مجموع الطاقة الحرارية التي تمتلكها الجزيئات يقل لذا تنخفض درجة حرارة السائل تدريجياً حتى تصل إلى الصفر المئوي، عندها تثبت درجة الحرارة ويبدأ السائل عندها التحول إلى الحالة الصلبة.
لكن، كيف يخسر السائل طاقته؟
هناك عدة طرق لانتقال الحرارة نعرفها جميعا وسوف نوجزها هنا فيما يخص الموضوع بعجالة؛
التوصيل : نتيجة تلامس الوعاء الذي يحوي الماء الساخن مع السطح البارد لمجمد الثلاجة فإنه يخسر الكثير من طاقته.- تيارات الحمــــل : نتيجة التبريد تختلف كثافة الماء؛ فالماء الساخن اقل كثافة من الماء البارد، لذا يهبط الماء البارد (اعلى من درجة 4° مئوية) إلى الاسفل ويرتفع الماء الساخن الاقل كثافة إلى الاعلى مكوناً تيارات حمل.
- التبخـــــر : عندما يتبخر الماء فإن هذا يعني ان الجزيئات التي تحمل الطاقة الاعلى ستغادر السائل تاركةً خلفها الجزئيات الاقل طاقة مما سيجعل السائل يفقد حرارته أسرع.
ومما يؤثر أيضاً على درجة تجمد السائل نسبة الغازات الذائبة فيه مثل غاز الاوكسجين وثاني اوكسيد الكربون؛ حيث تقلل مثل هذه الغازات وغيرها من الشوائب على درجة تجمد الماء وتقللها إلى ما دون الصفر المئوي.
الآن، لماذا - وتحت ظروف محددة - قد يتجمد الماء الساخن أسرع من الماء البـــارد؟
ما الذي يحصل بالضبط؟
من المؤسف أن هذا التأثير يتناقض مع مفاهيم الديناميكا الحرارية، لذا لم تحدد الآلية الدقيقة لهذه الظاهرة، لكن هناك الكثير من التفسيرات المقترحة والتي تساهم في فهم أقرب لهذه الظاهرة:
- الصقيع المتكون في مجمد الثلاجة يبطّئ عملية التبريـــد :
يعتبر العلماء ان الصقيع المتكون على سطح الوعاء المراد تبريده يصنع ما يشبه المادة سيئة التوصيل للحرارة،أي ما يشبه المادة العازلة التي تقلل من سرعة عملية التبريد وتجعلها ابطأ. لذا، وعندما يوضع
الماء الساخن في وعاء جيد التوصيل للحرارة فإن حرارة الماء ستذيب هذا الصقيع المتكون على الوعاء مما سيجعل عملية التبريد اسرع بسبب التماس المباشر مع سطح المجمد البارد.
- طبقة الثلج المتكونة على سطح الماء عند درجة حرارة 4° مئوية تبطّئ عملية التبريد:
ظاهرة شذوذ الماء المعروفة والتي تقل فيها كثافة الماء البارد بدلاً من ان تزداد فيرتفع إلى الاعلى مكوناً طبقا جليدية في الاعلى تمنع استمرار التجمد. في حالة استخدمنا ماءً ساخناً فإن درجة حرارة الماء المرتفع ستكون كفيلة بإذابة طبقة الجليد وتمنع تكونها مما سيسرع عملية التجمد.
التبخـــــــــــر: عندما يكون الماء ساخناً فإن معدل التبخر سيزداد؛ أي ان عدد جزئيات الماء ذات الطاقة العالية سترتفع مغادرة الماء تاركة وراءها الجزيئات ذات الطاقة الاقل مما سيساهم في تبريد الماء بشكل اسرع.
كل هذه العوامل تساهم في فهمنا لهذه الظاهرة الغريبة.
وعلى الرغم من محاولات المجتمع العلمي فهم هذه الظاهرة بدقة وتعمق إلا ان تفسيراً محدداً لم يتفق عليه بعد.
وفي عام 2012، قامت الجمعية الملكية للكيمياء بنشر ورقة بحثية تنافسية لتفسير تأثير مابيمبا، وشارك في المسابقة ما يزيد على 22 الف متسابق من مختلف انحاء العالم، وفي النهاية اعلنت الجمعية - بمشاركة أريستو مابيمبا نفسه - ان الفائز هو نيكولا بريجوفتش، وان التفسير الدقيق هو بسبب عامليّ التبخـــــر، والتبريد الفائق Supercooling .
